الأخلاقيات الكوكبية

إن تحقيق أي مفهوم التطور الاجتماعي ولا سيما إذا كان ضخماً وله مهمة إنقاذ المحيط الحيوي وحل المشكلات العالمية  وتشكيل أسس الحضارة جديدة الطراز يصطدم حتماً بمشكلات كثيرة التي تتصف بالأخلاق والفكر والقيم. يفترض تنفيذ المشروع على نطاق الكوكب  ضرورة إعداد وإقرار الأخلاقيات الكوكبية القادرة على وضع حجر الأساس للنظرة الجديدة للعالم القادر على تلبية متطلبات الإدارة الكوكبية المضادة للأزمة والانسجام القابل للتحكم في المستقبل.

ضمن إطار تحقيق المشروع على نطاق الكوكب توضع مسألة ضخمة أخرى كتوفير شروط التغييرات الجذرية في الوعي الاجتماعي ورؤية العالم جماهيرياً وعقلية الشعوب وأخيراً الوعي الذاتي للإنسان بحد ذاته. لا بد من إقناع رواد العلم العالمي والسياسة والاقتصاد والحركات الاجتماعية والعرقية الثقافية المؤثرة ودور العبادة بالانتقال من القول إلى الفعل في حل المشكلات العالمية للحضارة المعاصرة وإنقاذ المحيط الحيوي والتكامل البشري على المستوى العالمي. إلى جانب ذلك لا بد من تزويدها بأدوات الإعلام والاتصالات المناسبة لنشر أفكار المشروع على نطاق الكوكب في المجتمعات الموالية لها والتي تحت إشرافها، ومن ثم إلى الجماهير الواسعة. وهذا الأمر يحتاج إلى الحركة الإديولوجية المضادة للأزمة والمتكاملة. في المراحل الأولى من "عملية الإنقاذ" على نطاق الكوكب ستعمل بمثابة التنوير والدعاية لجلب الناس إلى العمليات التكاملية والنماذج الإنتاجية والاقتصادية الجديدة للنشاط والتعاون والاستهلاك والتحفيز والسلوك. وبعد ذلك عليها حل مسألة تحقيق التحول النوعي في الرؤية المعاصرة العالم بتحويلها من طور الأزمة إلى الطور المضاد للأزمة ومن ثم إلى الطور المركزي الحيوي الموافق لاستراتيجية الانسجام القابل للتحكم، وبعد ذلك إلى طور الوعي الذاتي الكوكبي الذي يساعد على تحقيق الرسالة الكونية لدى البشرية. إن الفكر على نطاق الكوكب جائز ليس فقط بفضل القفزة في تطور العلم والتقنية وسيادة العقلنة المقبلة ضمن إطار الطريقة التكنولوجية السادسة بل وكذلك بفضل التركيب الروحي العالمي  الذي سيتم تحقيقه بالجهود المشتركة من قبل كل القوى الهيكلية الاجتماعية في العالم المعاصر.

من أجل إعداد وتشغيل واستيعاب واسع وتأثير إديولوجيا الحركة المضادة للأزمة والتكاملية والمطابقة لأغراض ومهام المشروع على نطاق الكوكب إن الأدلة العلمية والمخططات النفعية العملية وبرامج العمل ومشاريع الحلول في مجال الاقتصاد والسياسة والقانون والبيئة والإصلاح الاجتماعي وحدها لا تكفي. لأجل التوصل إلى تغييرات واضحة في الوعي والتقديرات والتراكيب والمصالح ولا سيما حين يدور الأمر حول الاختيار والقيود من القليل فقط إدراج الآليات العقلانية والتراكيب الذهنية للوعي البشري. هنا سيكون من الأهمية بمكان كبير العنصر المبتكر والعاطفي النفساني والأخلاقي المعنوي والروحي في تحفيز الناس عند خلق واتخاذ قرارات. كما أنه على الإنسان أن يحيي بطريقة معينة غريزة بقائه لكي يشمل التحفيز كافة مستويات التشجيع على الفعل بكمية كافية. إن تصور هذا التعليل الكافي المعزز بالفعل الإرادي يتشكل بالتحفيز وبالطبع يحقق بـ"البوصلة" القيمة للفرد والجماعة. يفسر تعريف القيمة لنشاط الإنسان بأن القيم هي غالباً ما تكون أساساً للتحفيز واتخاذ قرارات والسلوك النشط.

يجوز أن تكون المهام الدعائية التنويرية والإعلامية لدى المشروع على نطاق الكوكب محلولة إيجابياً وبصورة فعالة وأن تؤدي إلى النتائج المطلوبة في التحويلات الحقيقية في رؤية العالم فقط في ظروف العدالة الروحية القيمية والتعليل. يقع إنشاء الأساس القيمي للمشروع على نطاق الكوكب على عاتق الأخلاقيات الكوكبية.

إن إعداد وتعليل الأخلاقيات الكوكبية هي مهمة أولى وعمل كبير ومهم ومسؤول في سياق تطوير وترقية المشروع على نطاق الكوكب.

            يجب أن تكون الأخلاق الكوكبية منهجية وشاملة ومتوافقة من الناحية الحيوية وعملية وعقلانية ومع ذلك آخذة بالحسبان الخبرة الروحية لدى مختلف البلدان والحضارات. وعند تحقيقها عملياً هي حتما ستصطدم بعدة مشكلات اجتماعية نفسية وثقافية وأخلاقية، وستحلها. ومن هنا ستظهر المهام الداخلية والخارجية للأخلاقيات الكوكبية.

المهام الخارجية للأخلاقيات الكوكبية ستتوجه صوب المجتمع والتناقضات التي ظهرت في الوعي الجماهيري ومشكلات مختلف العقليات والثقافات وصراعاتها ومفارقاتها. ويجوز أن نذكر الأهم منها:

  • المساعدة على الإدراك المؤسسي (عبر التعليم والتنوير والدين) وروحانية المسائل العامة لإنقاذ المحيط الحيوي وحل المشكلات العالمية وإنجاز العدالة الاجتماعية والتطور المنسجم،
  • إنشاء النموذج الوسطي للتكامل البشري لعموم العالم وتعليله الروحي الأخلاقي الشامل،
  • الجدوى المعنوية الأخلاقية للحد من التنمية الاقتصادية وزيادة الاحتياجات والتزايد السكاني،
  • الرفع من القيم الحيوية المركزية والبيئية والبواعث والنشاط الحيوي لدى الفرد والمجتمع وإصلاحها وتركيزها في الثقافة،
  • تشكيل أولويات الوعي البشري وفقاً للمؤشرات القيمية لدى أكثر الثقافات والأديان تأثيراً في العالم،
  • تشكيل المؤشر القيمي للوعي الكوكبي والوعي الذاتي "المضاد للأزمة" أولاً ومن ثم الإنسان المتكامل بمثابته من بين كيانات التطور الكوكبي.

إلى جانب ما ذكر من المهام الاستراتيجية الخارجية والضخمة للأخلاقيات الكوكبية إنها ستحل كذلك مسائل أصغر بكثير لنقل التكتيكية ومع ذلك فهي لا تقل صعوبة وحيوية وهي "العمل الميداني" ومنها:

  • إزاحة القيم الحربية من آليات المجتمع والثقافات الأخلاقية الإيجابية لدى النماذج البدائية،
  • "التطهير" الأخلاقي للسياسة،
  • التربية البيئية منذ نشأة الشخصية الخ..

  

أما المهام الداخلية للأخلاقيات الكوكبية فستشمل تشكيل وبناء وتطوير وتبرير الذات. في هذا الصدد تلحظ ضرورة صياغة بديهياتها القيمية وخلق المبادئ والقيم والمعايير والرموز وصياغة الفرضيات. من المفهوم أن المعلم المركزي هنا يجب أن تكون قيم الحياة والطبيعة والانسجام. ونقدم أهم المهام الداخلية للأخلاقيات الكوكبية في المراحل البدائية من المشروع على نطاق الكوكب على الشكل التالي:

  • الصياغة الدقيقة للحتمية البيئية الكوكبية،
  • توضيح جوهرة ظهور ومحتوى وتركيب ومهمة ظاهرة الروحانية كصفة وجودية للإنسان،
  • تطوير الأفكار الروحية الشاملة والنظرة الكلية التي تفسر عالم الطبيعة والإنسان كجسد حي موحد،
  • إعادة إدراك أصناف التطور والتقدم والانسجام بخصوص المجتمع والوعي الحيوي والتاريخ والتحليل الاقتراني للحضارات في روح المشروع على نطاق الكوكب،
  • الكشف عن القدرة الداخلية للأخلاقيات الكوكبية للتطور البشري النفساني والأخلاقي المقبل.

اتجاهية الأخلاقيات الكوكبية ديناميكية وقابلة للتطور (وهذا على فكرة تميزها الابتكاري عن النظم الأخلاقية التقليدية المغلقة على نفسها والمحصورة بقيود) فهي تقصد توفير المرور التسلسلي للناس عبر مراحل تاريخهم المتحكم به الآن من الحركة المضادة للأزمة في ظروف العالم المعولم لهذا العصر إلى افتتاح الفرص الكوكبية والقدرات الكونية لدى الإنسان في ظروف حضارة الوعي البشري الموافقة حيوياً التي أسسها. أما هدف الأخلاقيات الكوكبية فيحدد ويحفظ بصورة مطابقة في كل مراحله في المستقبل المنظور وينحصر في انسجام الإنسان عبر التزامن المنجهي والمتزن للأسس العقلية الإدراكية والتصورية الحدسية لروحه بمثابة قدراته الروحانية. أما ديناميكية مشاركة الأخلاقيات الكوكبية في المشروع على نطاق الكوكب فنراها بمثابة الانتقال من الفعالية المتوفرة للتحول النموذجي والحركة التكاملية لدى النخبات إلى النداء الفعال والفكرة الجديدة للجماهير الواسعة من سكان الأرض.

من المهم أن لا اتجاهية ولا هدف ولا مهام الأخلاقيات الكوكبية لا تناقض الأديان العالمية وتعاليمها الروحية الأساسية وهذا ما تؤكد عليه الأبحاث التي أجريت كذلك ضمن إطار المشروع على نطاق الكوكب.

تنحصر جاذبية وآفاق الأخلاقيات الكوكبية في أنها حتى بعد أن تشكلت كنظام دقيق ووظيفي مناسبة لحل المسائل التحفيزية النفسانية في مرحلة الإدارة الكوكبية المضادة للأزمة لن تتوقف في تطورها. فبعد أن تحس بالنجاح الأول في عمل إنقاذ المحيط الحيوي وإنشاء أسس حضارة الوعي البشري إنها ستنشئ الطراز الثقافي الأنثروبولوجي الجديد والإنسان المتكامل والكيان الحيوي الاجتماعي التاريخي الجديد للتطور وهي نحن البشرية المجموعة كموضوع كشف القدرة الكونية لكوكب الأرض. إلى جانب العلم الابتكاري والتكنولوجيات الخارقة من الطريقة السادسة تهدف الأخلاقيات الكوكبية خلق رؤية العالم المستقبل.

إن افتراض قيم وأسس الأخلاقيات الكوكبية كالتشريع الكوكبي الواضع للقواعد يجب أن يكون عملاً جماعياً لكافة الكيانات الهيكلية للتكامل البشري العام وكل المشاركين في المشروع على نطاق الكوكب بشرط المساواة في حقوقهم ومصالحهم وقيمهم عند وجود هدف مشترك ألا وهو إنقاذ المحيط الحيوي وتحقيق فكرة الانسجام القابل للتحكم للتطور الاجتماعي. لذا نحن ندعو كل مستخدمي موقعنا إلى المشركة في الإنشاء في مجال إعداد الأخلاقيات الكوكبية.

Subscribe