نقد مفهوم التنمية المستدامة

إن محاولات تحقيق مفهوم التنمية المستدامة لم تفلح بالنجاح الذي كان بمقدوره أن يصبح مرة متكررة في قضية حل المشكلات العالمية وإخراج العالم المعاصر من الأزمة الحضارية الشاملة. بل العكس صحيح، لقد اصطدمت تلك المحاولات بالمشكلات التي غدت غير قابلة للحل كلياً أو جزئياً على الأقل من موقف مفهوم واستراتيجية التنمية المستدامة. بعد مضي أكثر من عشرين سنة منذ أن اتخذت المؤسسات العالمية للعالم المعاصر وبصورة رسمية مسار التنمية المستدامة لم يتم وضع النموذج الاقتصادي الموحد والسياسة البيئية والاجتماعية. المشكلات العالمية   إجمالاً قد تفاقمت.

من بين أكثر المشكلات المنتشرة والجديرة بالملاحظة في تحقيق استراتيجية التنمية المستدامة يجوز إبراز القضية السكانية والتغلب على الفقر ومشكلة البيئة.

تشهد التناقضات التي ظهرت أثناء تحقيق مفهوم التنمية المستدامة كذلك على مفارقته المنطقية الداخلية، ومن أهمها عدم التوافق الواقعي بين المصالح القومية والبشرية العامة.

لكي نمنح مفهوم التنمية المستدامة ما يستحقه من الاحترام ينبغي الإشارة أن الفشل والمصاعب في تحقيقه سببها ليس فقط حواجز التنفيذ العملي بل وتنتج من الإديولوجية نفسها، وهذا يخص نفس الأسس النظرية المنهجية لمفهوم التنمية المستدامة.

يتم نقد مفهوم التنمية المستدامة من موقف المشروع على نطاق الكوكب وفقاً للاتجاهات التالية:

  • خطأ مصطلح "التنمية المستدامة"، إذ أنه يحتوي على التناقض المنطقي الداخلي.
  • ضيق المصطلح إذ أنه يحتوي على استفزاز معلومة المشكلات العالمية للأفق البيئي. الكثير يعتبر اليوم بأن قضية إنعاش حالة البيئة تكشف كلياً محتوى استراتيجية التنمية المستدامة.
  • عدم وجود النظام الموحد لتصورات التنمية المستدامة، ووجود التنوع الذي يخلق مصاعب كثيرة في التحقيق.
  • انتقائية مفهوم التنمية المستدامة وتركيزه النخبوي المبدئي وصفته الإمبريالية جوهرياً. ثمة وجهة نظر تقول بأن تحقيق مفهوم التنمية المستدامة لن يأت بفائدة لكل البشرية بل لقسم معين منها فقط.
  • قابلية للجدال العديد من الطرق التي يستخدمها مفهوم التنمية المستدامة. مثلاً النموذح المستكمل خارجياً المستخدم ضمن إطار مفهوم التنمية المستدامة هو ليس حكماً نهائياً إذ ينبغي الأخذ بالحسبان بأن التنبؤات التي أجريت باستخدامه ستتحقق إذا لم تغير البشرية بالشروط المتكافئة الأخرى سياستها في مجال استهلاك الموارد. أما إذا أدخلنا التعديلات المناسبة فالانهيار الموعود لن يحدث.
  • النقاش الكثير في فهم أهداف التنمية المستدامة التي من الطبيعي أن تظهر من جراء الاختلاف في عقائد المشاركين في عملية إدخال النموذج الحضاري الجديد وبلدان وشعوب العالم المعاصر وأتباع الأصالات الثقافية والاجتماعية والسياسية. بالطبع إن مفهوم التنمية المستدامة يستهدف دون شك بلوغ النظام العالمي العادل والموزون. ولكن عند ذلك ينبغي عدم النسيان بأن "العدالة" و"التوازن" يختلف تصورهما لدى مختلف البلدان والعلماء والسياسيين. قضية استعداد البشرية أجمعها وعناصرها من الشعوب على التكامل والتي تشترط التحويل الجذري في الأنظمة السياسية والاقتصادية هامة جداً، فهي تعود بجذورها إلى أعماق التاريخ وتخص أسس النضاج الحضاري والتطوري لدى الممثلين الحاليين لـ Homo sapiensوتشمل قضايا الثقافة والوعي الذاتي الأخلاقي والعقلية ومسؤولية الإنسان بحد ذاته.

أهم هدف نقد مفهوم التنمية المستدامة هو عدم وجود الآليات النظامية لتحقيقه المضمونة تنظيمياً ومالياً.

في أي حال من الأحوال يتوحد نقاد وأنصار مفهوم التنمية المستدامة في أن الانتقال إليه يتطلب التحويلات الجذرية للحضارة المعاصرة وجوهرتها تخضير كل الأنواع الأساسية لنشاط البشرية والإنسان نفسه. الحديث يجري حول مجال الوعي البشري في إعادة توجيه الوعي العام أي الانتقال من الطاقة الهيدروكربونية والاقتصاد إلى الطاقة والاقتصاد من المصادر البديلة  وهذا يجب أن يكون جائزاً من الناحية الفنية والاجتماعية. هذه الخطوة قد تفتح العلامة الجديدة في تطور الحضارة والسبيل نحو تشكيل الحضارة من الطراز الجديد. والشيء الآخر أنه حتى من الناحية النظرية، حتى قبل إجراء حسابات معينة يوجد عمل ضخم وشاق الذي يحتاج إلى تمويل هائل. لكن مفهوم التنمية المسدامة يسكت عن مصادر وآليات هذا التمويل وتلك هي جوهرة خلله وضعفه في الوقت الراهن حين آن الآوان الانتقال من المناقشات والشعارات إلى العمل وذلك لأن الوقت لإنقاذ العالم يصبح أقل وأقل.

 

Subscribe