الخوف من المستقبل
الخوف من المستقبل هو ترجمة حرفية من الكلمة اليونانية "فوثوروفوبيا" ويثير الاضطراب والهلع، وقد انتشر جماهيرياً وأضحى سيمة العصر أي تحول إلى مشكلة عالمية.
خلال كل أحقاب التاريخ كان الناس يخافون من التغيرات وغالباً ما كانوا يؤدون أدوار المدفوعين دون رغبة وبالإكراه. الأكثرية يفضلون أكثر من ذلك بكثير ما يسمى بالاستقرار وعدم الرغبة في التغيرات الجذرية والمشاركة النشطة فيها. وهذا يتعلق إلى حد كبير بعدم الرغبة في تحمل المسؤولية عن العواقب، وإلى حد كبير بالخوف أمام المجهول.
في زمننا هذا أثير الخوف من المستقبل بالمشكلات العالمية وحالة الغموض العالمي، ويتعمق بالانحلال المقبل للأشكال التقليدية وطرق الحياة في كثير من البلدان، وصراع الثقافات والحضارات والقيم، والتحديات التاريخية الجديدة والاختبارات الوجودية للإنسان. لقد وصل الناس إلى الحد الذي يعقبه حتماً إما القضاء التام على حياته إما التغير الجذري له، فيخاف من هذا ومن ذاك.
ومن الجانب الفردي ينكشف الخوف من المستقبل كالعداء تجاه المشكلات والمصاعب وآفاق التغيرات والابتعاد الواعي أو غير الواعي عن المشاركة فيها وكذلك المقاومة الإيجابية أو السلبية للمحدثات والتقدم.ي بعض الأحيان يفسرون الخوف من المستقبل كعدم قبول الإنسان للتصورات عن المستقبل المختلف نوعياً الذي لا يطابق حاضره المعتاد له والمصاعب في اتخاذ قرارات.
وعلى نطاق المجتمعات الكبيرة يتمثل الخوف من المستقبل كالطفالة والانسياق الجماعيين. وإلى حد كبير بات هذا عاقبة التلاعب الماهر بجماهير واسعة من الناس من لدن أشخاص أو فئات التي تهتم بأمر الوضع الراهن. وعلى النطاق الجماعي وغير الواعي يتمثل الخوف من المستقبل عبر التصرف المقلد بدلاً من المشاركة الواقعية المهتمة وكذلك التهرب من الواقع الاجتماعي والثقافي (المضاد للثقافة).
باتت ظاهرة الخوف من المستقبل اليوم واسعة الانتشار، والضرر منه هو أن الناس الذين وقعوا ضحيته يعانون من انخفاض النشاط والدافع الجسدي النفساني والاضطهاد العصبي النفسي وعدم الثقة بالنفس وبقواهم ومستقبلهم والقلق المرتفع والتشاؤم. أولئك الناس يرهقون بسرعة ويمرضون كثيراً ويصبحون عرضة لحالات الاكتئاب. الإنسان المعرض للخوف من المستقبل قد يقع في مجموعة مخاطر الأمراض وانحراف الشخصية و الاضطرابات النفسية ومختلف أنواع المخاوف والجنون. أما الخوف من المستقبل على المتسوى الاجتماعي فيجوز أن يعيق تحقيق الأفكار والمشاريع المعاصرة اللازمة لحل المشكلات العالمية والقضاء على الأزمة الاقتصادية والبيئية ومنع الكوارث الحربية أو التقنية والقضاء الإنسان على نفسه.
الأساس الموضوعي للخوف من المستقبل هو عدم استقرار العالم المعولم وعملياته الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والحالات الراهنة للأزمة البيئية والمالية الاقتصادية، والصراعات المسلحة الإقليمية والحروب، والكوارث الإنسانية وكذلك المرحلة المتفاقمة من المشكلات العالمية وازديادها.
من بين أسباب الخوف من المستقبل يجوز أن نذكر التالية:
- التأثير السلبي من لدن وسائل الإعلام التي غالباً ما تشدد على الوقائع السلبية،
- تنشط الأفكار التطرفية والحركات الدينية والسياسية الراديكالية التي تزرع قيم الحرب والعنف من أجل بلوغ الأهداف.
- انتشار الخرافات والسحر والتنجيم السطحيين وعلم المؤامرات والاعتقاد بالظواهر الخارقة وسلطتها على حياة الناس،
- النقص في البيانات حول طرائق حل المشكلات العالمية والنشاط الذي يمارس في هذا الاتجاه،
- المستوى المنخفض من المعارف العامة والتعلم،
- المستوى العالي من الإجهاد والإرهاق المزمن،
- الخلاف بين التوقعات والواقع في نفس الإنسان.
ينحصر الضرر الاجتماعي من الخوف من المستقبل في أن الناس الذين تعرضوا له لا يؤمنون بجواز حل المشكلات العالمية وإعادة العدالة إلى العلاقات الاجتماعية والتكوين المنسجم للحياة والتحكم في التطور الحضاري.ما يزيد بصورة خاصة من انتشار الخوف من المستقبل هو عدم وجود الأهداف والمهام العامة وكذلك الموحدة للناس. من أجل الوجود الكامل يحتاج الناس إلى تبرير وجودهم وهذا التبرير يتعلق دوماً بالقيم ويتجسد بالأهداف.
وهكذا فإن حل المشكلة العالمية وهي الخوف من المستقبل يقع في مجال القيم و تحديد الأهداف، واليوم يجوز أن تصاغ في مصطلحات المشروع على نطاق الكوكب كإنقاذ المحيط الحيوي وحفظ وإنعاش البيئة الطبيعية للجيل الحالي والأجيال القادمة والتكامل البشري العالمي العام وبناء حضارة الوعي البشري القادرة على تجسيد أسس العدالة والإنسانية والتطور المنسجم .