مفهوم الانسجام القابل للتحكم

ظهرت ضرورة الإدراك الجديد لمفهوم التطور العالمي بسبب أن التحقيق العملي لمفهوم التنمية المستدامة الذي يدعون إليه ويطورونه في كل العالم منذ سنوات كثيرة لم يبد عن فعاليته في مجال تحقيقه العملي والتغيرات السياسية الكبرى والاقتصادية الكبرى والاجتماعية الكبرى التي أجريت بناء عليه والتي كانت قد تساعد على حل المشكلات العالمية   وقبل كل شيء تفادي الكارثة البيئية العالمية. 

وإن مفهوم التنمية الذي تم تطويره ضمن إطار المشروع على نطاق الكوكب   قد نال تسمية مفهوم الانسجام القابل للتحكم. وقد بات هذا المفهوم إلى حد كبير نتيجة التحليل المنهجي ونقد مفهوم التنمية المستدامة   وإعادة النظر في كثير من أحكامه وتحديثه الجوهري والإفصاح المقبل عن منطقه الصحيح من حيث الفكر والمنهاج. 

المعنى من "الانسجام" كدرجة فلسفية تنسق واتزان العناصر المختلفة وحتى المعاكسة بمثابة الكثير في واحد. تحتوي كلمة الانسجام والتي ظهرت لأول الأمر في اللغة اليونانية القديمة فكرة أثرية حول الكمال العضوي لكل الأشياء الموجودة في الفضاء، وهذا جائز بفضل نظامه الداخلي المعقول والواضح. يقوم الانسجام بالحفاظ على الأشياء الموجودة في العالم بتنسيق حكيم وسهل للمفهوم الإنساني وهو عكس فوضى. 

قامت العلاقة الجدالية بين الفوضى والفضاء والانسجام في الفلسفة القديمة والفكر العلمي بوصف المنهجية وقابلية التحكم بخلاف الصدفة وعدم وجود شكل كمرحلة من مراحل التطور للطبيعة والمجتمع. بدأ مصطلح الانسجام يستخدم لأول مرة لمواصفة وتقدير الانتظام والتراكيب المتناسبة والديناميكية التدريجية والنظم القابلة للتحكم. ويحتوي مفهوم الانسجام على التصور حول هوية الفكر والكينونة على الأقل بالمعنى بأن النظام في الفكر جائز بفضل النظام في الطبيعة. 

إن استخدام مفهوم "الانسجام" بخصوص الحقائق الاجتماعية يبدو ملائماً ووثيق الصلة على الأقل بسبب وجود الآليات المؤسسة لتنظيم المجتمع عبر النشاط البشري كالتعليم والأخلاق والقانون وكذلك الفعاليات الاجتماعية الكبرى كالدمقرطة والتقدم والعلاقات الدولية. 

يجوز لمفهوم التنمية المستدامة أن يشكل أساساً لنموذج النظام العالمي على نطاق الكوكب وحضارة الوعي البشري. 

وهذا المفهوم بخلاف مفهوم التنمية المستدامة يتصف بما يلي: 

  • المفهوم الآخر لعملية التطور نفسها والمتطلبات المعاصرة لها، 
  • إبراز القوى التي تقوم بعملية التطور، 
  • خطط القرارات للتحكم بعمليات التطور المنسجم بخصوص المخططات والآليات والتكنولوجيات، 

الهدف من مفهوم الانسجام القابل للتحكم منحصر في حضارة الوعي البشري بناء على الإنتاج ذات موارد بديلة والاقتصاد الإبداعي والثقافة المتوافقة من الناحية الحيوية. 

المنظور الاستراتيجي في الكشف عن القدرة الفضائية لدى الإنسان وتحقيق رسالته الكوكبية في أمر الاستيعاب النشيط لربوع الفضاء. 

الانسجام القابل للتحكم في مصطلحات المشروع على نطاق الكوكب   هو نموذج الحركة التي تسلك سبيل التكامل البشري العالمي العام وتحقيق الرسالة الكوكبية لدى البشرية وكذلك شكل من أشكال كينونة الإنسان ما بعد الأزمة والمجتمع الكوكبي. 

في مفهوم الانسجام القابل للتحكم نحن نشدد عمداً وبوعي ونركز ونوطد على الجوانب الأساسية بخصوص عملية التطور الحضاري، وتلك الجوانب هي: 

  • الاستهداف والتكامل والتزامن، 
  • الطابع المركب المنهجي، 
  • التحكم المركزي، 
  • الاتزان والتنسيق والإشراف.

    

انطلاقاً من حقائق يومنا هذا ليس ثمة سبب يدعو إلى الكلام حول أي تطور اجتماعي وحضاري إذا لم يتم الالتزام بالشرط الأساسي لأية إمكانية مقبلة لتطور الجنس البشري على الأرض. الأمر يجري حول شرط حل المشكلات العالمية وإنقاذ المحيط الحيوي كبيئة طبيعية لعيش الإنسان وغيره من الكائنات الحية على الكوكب، وهذا شيء مستحيل دون التكامل البشري العالمي العام وإنشاء الاقتصاد المتعايش مع البيئة وثقافة الوعي البشري. لأجل تحقيق المقصود وهو إنقاذ النفس ولأجل حل المشكلات العالمية   كالمهام الملحة والمهمة للحياة يتوجب على البشرية أن تحول واقعياً تطورها الاجتماعي إلى التحكم المضاد للأزمة. التحكم المضاد للأزمة بالموارد الموجودة وقبل كل شيء الكوكبية منها وكذلك تحويل المؤسسات الموجودة للقيادة العالمية إلى منظومة مؤسسات القيادة الكوكبية بما في ذلك إنشاء الأدوات الفعالية الجديدة لحل المشكلات العالمية. التحكم الكوكبي المضاد للأزمة في المشروع هو عبارة عن صورة انتقالية من الأزمة المنهجية الحالية للعالم المعولم إلى الانسجام القابل للتحكم للعالم الكوكبي الجديد. وهكذا فإن مواءمة التطور العالمي نحن نفهمه بصورة محددة تماماً كالعملية المركزية والهادفة التي تفترض ما يلي: 

  • الدور النشيط للبشرية المعاصرة وقبل كل شيء بشخص المجتمع تقدمي التفكير والمؤسسات البناءة للمجتمع المدني والعلماء والشخصيات العامة والنخبات الروحانية والتجارية والسياسية، 
  • التطوير الشامل والإدخال في كافة النواحي الأدوات الفعالة الاقتصادية والسياسية القانونية والتكنولوجية والإعلامية الاتصالية والثقافية لحل المشكلات العالمية، 
  • الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والانتقال إلى الإنتاج المحافظ للطبيعة باستخدام الموارد البديلة واستعمال وانتفاع وتحويل النفايات، 
  • إنشاء نظام الاقتصاد المتكامل الإبداعي المبني على إعادة توزيع الإيرادات من الريع الكوكبي أو سيولة أخرى من الأصول الكوكبية (بما في ذلك الإشراف على التنمية الاقتصادية وتعويضها)، 
  • الضمان المالي الاقتصادي وغير ذلك لمنظومة مؤسسات القيادة الكوكبية المتشكلة جزئياَ على حساب إصلاح وتحديث المؤسسات العالمية الموجودة (مثل منظمة الأمم المتحدة) وكذلك إلى حد كبير على حساب التراكيب الجديدة نوعياً، 
  • إنعاش البيئة المحيطة واسترداد النظم البيئية المتضررة وإحياء الأصناف النباتية والحيوانية التي أوشكت على الانقراض، 
  • الانتقال التدريجي والمنهجي إلى الطريقة التكنولوجية السادسة على حساب السياسة الابتكارية الشاملة والإدخال الجماعي للتكنولوجيات المتقدمة، 

يفترض مفهوم الانسجام القابل للتحكم التشغيل على المستوى العالمي للانسان المعاصر كذات مركب في المشروع على نطاق الكوكب وإدراجه التطوري في عملية إصلاح أخطائه التاريخية ومعالجة "أمراض النمو" التي تعاني منها البيئة المحيطة والمحيط الحيوي التي هو جزؤ منها، 

عند بلوغ مرحلة القيادة الكوكبية المضادة للأزمة لا بد من المباشرة بالحل المنهجي لمسائل التكوين المنسجم للعالم والتطور الاجتماعي في مجال الاقتصاد والبيئة والمشكلات الاجتماعية. ينبغي التحرك من المستوى الكلي للمشكلات العالمية إلى المستوى الجزئي لكل فرد كمستهلك نهائي لخيرات المجتمع المعولم بصورة جديدة. وضمن إطار هذه المشكلة من منطلق المشروع على نطاق الكوكب ومفهوم الانسجام القابل للتحكم يفترض تحديث وإكمال نظام المؤشرات الإحصائية المحسوبة لدى منظمة الأمم المتحدة وذلك بإدخال إلى تركيبها مؤشر نتائج التطور المنسجم للمجتمع المبني على حسبان سواء مستويات تطور مختلف مجالات حياة المجتمع أو درجة الفارق بينها. 

يجب أن يضم النموذج المقترح لنتائج التطور المنسجم للمجتمع ثلاثة عناصر: الاجتماعي والبيئي والاقتصادي. 

لأجل التغيرات الحقيقية والراديكالية ينبغي بناء الأساس المالي الاقتصادي المناسب، فالسياسة أو التعليم وحدهما لا يكفيان. كيفية ومستوى وتأثير الأدوات القانونية والإدارية والثقافية والإعلامية للقيادة ستتعلق بقدرتها الاقتصادية الموضوعية. 

وما يخص فهمنا للقوى المحركة للتطور الاجتماعي وكذلك التشغيلات المقبلة وإداريي الانسجام القابل للتحكم ففي مرحلة الأزمة المنهجية للحضارة الحالية نحن نحترس من التعبير القاطع حول البشرية. وهذا المفهوم نحن نتصوره إشكالياً نظراً للنقصان الواضح للوحدة والتضامن في الناس المعاصرين. 

في المرحلة الراهنة من أزمة الحضارة وهذه الحالة الحرجة من المشكلات العالمية المتعمقة لا بد من ملاحظة القدرة على القيادة المضادة للأزمة للعالم في روح المشروع على نطاق الكوكب في النخبات فقط: القومية والإقليمية والقارية والدولية. يقصد من النخبات هنا قبل كل شيء ليست فئات ضيقة معينة أو منظمات مغلقة على شكل نوادي وإنما أفضل ممثلي المجتمعات والمنظمة وفقاً للمبدأ الحرفي والحزبي والثقافي وغيرها. من المهم بالنسبة لنا هو أنهم يتمتعون بمفاهيم واضحة ويعرفون التقدير الحقيقي للمشكلات العالمية والمخاطر والتهديدات التي تعاني منها هذه المرحلة من تاريخ البشرية. إنهم مقتنعون من ضرورة إنقاذ الطبيعة والإنسان والمجتمع بكافة الوسائل المقبولة والمحدثة والتكنوولجيات الابتكارية المتقدمة وبواسطة الأدوات القانونية والاقتصادية المباحة. كما أنهم يدركون بأن تحقيق هذا يجوز فقط على شكل التوحد البشري في كل العالم. وفعلاً إن النخبات التي تشكلت (وبالأحرى الموجودة حالياً ولا سيما في شخص العلماء) يجوز أن تلعب دور القوى المحركة للطراز الجديد القابل للتحكم للتطور العالمي. ولم يبق إلا تكاملها هي نفسها لتقديم لها التصور الواضح المنهجي حول الموارد الكوكبية وآليات استخدامها، وتلك هي رسالة المشروع على نطاق الكوكب  . 

اليوم يجوز الحديث العاقل والكامل عن البشرية من الناحية البيولوجية فقط ولكن مع الأسف ليس من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية. البشرية هي عبارة عن ظاهرة التي يجوز أن تتحقق فقط على المستوى الكوكبي، وهي ما زالت قيد الولادة في ظروف خطر هلاكها. والخلفيات على ذلك كافية وتزيد، والفرصة من أجل ذلك واحدة فقط، ولأجل تحقيق ذلك لا بد مما يلي: 

  • إديولوجيا التعبئة الموحدة للتكامل الكوكبي،
  • الاستراتيجية الصحيحة والمتزنة والتوفيقية لكافة المشاركين،
  • الأدوات الفعالة للاتصال والتنظيم والتحكم،
  • الموارد المالية والقانونية والسياسية الكافية،
  • التكنولوجيات العالية لكل البنى التحتية للمشروع،
  • الرصد والمراقبة في كل المراحل.

 

 

Subscribe